شهاب الدين فتيان الشاغوري (٥۳۰ – ٦۱٥هـ)، أديب وشاعر دمشقي عاش في القرن السادس و بداية القرن السابع. له ديوان شعر مطبوع بدمشق بتحقيق أحمد الجندي، و أكثره قصائد في مدائح (أو مراثي) الملوك و الأمراء و الوزراء. و قد سكتت المصادر التاريخية عن مذهب الشاعر و عقيدته، و لكن مؤلف هذا المقال يقدّم شواهد عديدة من ديوان شعره يدلّ على عقائد الشاعر الشيعية و حبّه لأهل البيت (عليهم السلام)؛ و يعتبر فتيان الشاغوري شاعر شيعيّ مجهول لم ينتبه إلى تشيّعه أحد من المؤلفين.
حياة الشاعر
شهاب الدين فتيان الشاغوري، شاعرٌ دمشقيٌّ عاش في القرن السادس و بداية القرن السابع الهجريَّيْن. عرّفه العماد الكاتب الأصبهاني (ت 597هـ) بأنّه: «فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال الأسدي الخُزَيمي 1 الدمشقي المعلّم». 2
و قد عُرِف بالشاغوري، نسبةً إلى «الشاغور»، لكونه سكن فيها طويلاً، و هي من أحياء دمشق القديمة، لا تزال تُعرف بهذا الاسم، و تقع اليوم شرقيّ مقابر الباب الصغير.
وُلد فتيان بعد سنة 530 هجرية بمدينة «بانياس» 3، و هو نفسه يُشير في بعض أشعاره إلى أن أصله من بانياس. 4 و أقام مُدّةً بقرية «الزَبَداني»، و مدحها بأشعار و قصائد، و كان قد تعلّق بخدمة الأمير بدر الدين مودود بن المبارك، والي دمشق و أخي عز الدين فَرّوخ شاه ابن أخي السلطان صلاح الدين لأمّه، و كان يُعلّم أولاده الخطّ. 5
و الْتقى به العماد الأصبهاني بدمشق سنة 571 هجريّة، قائلاً عنه: «سألتُ بدمشق سنة إحدى و سبعين و خمسمائة، عند شروعي في إتمام هذا الكتاب، عمّن بها من الشعراء و ذوي الآداب، فذكر لي فِتيانٌ منهم فتيان، معلِّم الصبيان، و هو ذو نظمٍ كالعقود، و شعرٍ كمُجاج العُنقود، و معنى أرقّ وأصفى من مَعين العَذْب البَرود، و لفظٍ أنْمَق و أشهى من وَشْي البرود، و أنفذَ إليّ مسوَّدات من شعره، و نُفاثات من سِحره.» 6 و قد مدحه فتيان بقصيدة.
كما زاره ياقوت الحموي (ت 626هـ) قبل موته بقليل، و قال عنه في معجم البلدان عند كلامه عن الشاغور: «يُنسب إليها الشهاب الفتياني النحوي الشاعر، رأيتُه أنا بدمشق و هو قريب الوفاة، و هو فتيان بن علي بن فتيان الأسدي النحوي الشاعر، كان أديباً طبعاً، و له حلقة في جامع دمشق يُقرئ النحو، و عَلا سنّه 7 حتّى بلغ تسعين أو ناهَزَها، و له أشعار رائقة جدّاً، و معانٍ كثيرة مبتكرة، و قد أنشدَني لنفسه ما أنسيتُه.» 8
أمّا فيما يتعلّق بالحياة العلميّة لفتيان، فقد ذكروا أنّه حَدَّث عن الحافظ أبي القاسم ابن عساكر (ت 571هـ) 9، و روى عنه شهاب الدين القُوصي (ت 653هـ) 10، و التّقيّ اليَلْداني (ت 655هـ) 11، و غيرهما. و روى عنه عُمر بن عبد المُنعم القَوّاس بالإجازة منه. 12
و كان لفتيان أخٌ بالديار المصرية اسمه «عماد الدين رسلان»، كان قد كتب إليه عدة قصائد، و جاء وصفه في ديوان الشاعر عدّة مرات بالرئيس الأجلّ. 13 كما كان له ابن اسمه شمس الدين محمد، نقل عنه ابن أُصَيْبَعة (ت 668هـ) شعراً لأبيه في هجو مهذب الدين يوسف بن أبي سعيد السامري (ت 624هـ). 14
و كانت وفاة الشاعر بالشاغور في سَحَر الثاني و العشرين من شهر المحرّم سنة 615 هجريّة، و دُفن بمقبرة الباب الصغير بدمشق. 15
ديوان الشاعر
و لفتيان الشاغوري ديوان شعر، نشره مجمع اللغة العربيّة بدمشق عام 1967م، بتحقيق أحمد الجندي، اعتماداً على مخطوطٍ قديم، كتبه عليّ بن أبي طالب بن علي الحلبي في ذي الحجّة سنة 623هـ، أي بعد حوالي ثمان سنوات من وفاة الشاعر. و توحي العبارة الأخيرة من الديوان، و هي: «تمّ جميع المختار من من شعر الشيخ الأجل العالِم فخر الأدب فتيان بن علي النحوي…» أنّه لا يضمّ جميع أشعار الشاعر. و فعلاً فقد وجد محقّق الديوان أشعار أخرى لفتيان في مصادر أُخرى، أوردها في نهاية المطبوع من الديوان.
و يشمل معظم شعر فتيان مدائح أو مراثي الملوك و الأُمراء و القضاة وغيرهم من أصحاب المناصب الدينيّة و الدنيويّة، و أيضاً من الأُدباء و العلماء؛ و يتضمّن شعره أيضاً مدائح لبعض البُلدان التي عاش بها فترةً من الزمن، كدمشق و الزبداني و بعلبك.
فمن الملوك الذين مدحهم فتيان، من ملوك آل أيّوب: الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب 16، و الملك الأفضل عليّ بن صلاح الدين 17، و الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين 18، و الملك الظاهر الخضر بن صلاح الدين 19، و الملك المعظّم توران شاه بن أيّوب 20، و الملك العادل أبو بكر بن أيّوب 21، و الملك الأشرف موسى بن أبي بكر 22، و الملك المعظّم عيسى بن أبي بكر 23، و الملك الكامل محمّد بن أبي بكر 24، و الملك الصالح إسماعيل بن أبي بكر 25، و الملك المنصور فرّخشاه بن شاهنشاه 26، و الملك الأمجد بهرام شاه بن فرّخشاه 27 صاحب بعلبك.
و من الأُمراء الذين مدحهم أو رثاهم فتيان: الأمير بدر الدين مودود بن المبارك والي دمشق 28، و الأمير سعد الدولة معن بن مُحَسّن بن نصر 29، و الأمير سعد الدين مسعود بن بشارة 30، و الأمير أُسامة بن مُنقذ 31، و الأمير زين الدين قراجا صاحب صرخد 32، و الأمير شمس الدين بن منكورس 33، و الأمير عزّ الدين أُسامة 34، و الأمير أسد الدين سُنقُر35، و الأمير شمس الدين بكرور الأفضلي 36، و الأمير فخر الدين جهاركس 37، و الأمير مبارز الدين إبراهيم بن موسى والي دمشق 38.
و ممّن مدحهم من أصحاب المناصب الأُخرى: الصاحب الوزير صفيّ الدين عبد الله بن عليّ الشيبي المعروف بابن شكر 39، و الوزير صفيّ الدين نصر الله بن القابض 40، و القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ 41، و قاضي القضاة محيي الدين بن زكيّ الدين القرشي الدمشقي 42، و قاضي القضاة زكيّ الدين بن محيي الدين 43، و ظهير الدين محمّد خطيب القدس 44.
و من الأُدباء و الفقهاء: عماد الدين الأصبهاني الكاتب صاحب خريدة القصر 45، و الفقيه ضياء الدين بن الشهرزوري46، و الفقيه شهاب الدين إسماعيل القُوصي 47، و الحافظ بهاء الدين القاسم بن عليّ 48، و عبد المحسن بن إسماعيل الفلكي 49.
تشيّع الشاعر من خلال أشعاره
فيما يتعلّق بمذهب فتيان، فقد سكت المؤرّخون و أصحاب التراجم عن الإشارة إلى ذلك؛ و المؤرّخ الوحيد الذي تكلّم عن ذلك هو شمس الدين الذهبي، حيث اعتبره حنفيّاً. 50 و تخلو جميع مصادر و مؤلّفات الشيعة من أدنى إشارة إلى كونه من أعلام الشيعة، إلّا أنّنا لا نشكّ في تشيّع فتيان، و نرى أن مؤلّفي معاجم أعلام الشيعة و تراجم شعرائهم، و منهم: السيّد محسن الأمين صاحب أعيان الشيعة، و آغا بزرك الطهراني صاحب طبقات أعلام الشيعة، و السيد عبد العزيز الطباطبائي صاحب معجم أعلام الشيعة، و الصنعاني صاحب نسمة السحر، و السماوي صاحب الطليعة من شعراء الشيعة، و غيرهم، لم يهتدوا إلى كونه من أعلام الشيعة، فأهملوا ذكره و ترجمته. و ما يدلّ على تشيّع فتيان هو أنه يوجد في ديوانه الكثير من الأبيات التي تظهر منها حبّه لأهل البيت – عليهم السلام – و تشمّ منها رائحة التشيّع، و تضّم ما يوافق عقائد الشيعة. و الجدير بالذكر أنّ محقّق الديوان انتبه إلى تشيّع الشاعر، فنبّه في هامش لإحدى القصائد التي تضمّ أبياتاً ذات المحتوى الشيعي، أنّه: «يُلاحظ في كثير من أبيات الديوان أنّ الشاعر شيعيّ المذهب.» 51
و قد قُمنا في هذا المقال باستخراج كلّ الأبيات التي نرى أنّ لها دلالة على تشيّع فتيان الشاغوري في المطبوع من ديوانه.
فللشاعر عدّة قصائد تتضمّن ذكر أهل البيت – عليهم السلام – أو الإشارة إلى فضلهم، أو فضائل لأمير المؤمنين عليّ – عليه السلام – منها قصيدة تبدأ بالبيتين التاليين (ص265-266):
لا وَالنّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَالأنْزَعِ 52 * زَوْجِ المُطَهَّرَةِ البَتُولِ الأروَعِ
وَ وَحَقِّ أصْحابِ العَبا خَيْرِ الوَرى * مَا القَلْبُ مُذْ فارَقْتُ أحْبابي مَعي
و يقول في قصيدةٍ أنشدها في مدح صلاح الدين الأيّوبي (ص321):
فَمَا الحَقُّ إلاّ حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ * و كُلُّ اعْتِقَادٍ غَيْرَ ذلكَ بَاطِلُ
و يعتبر الشاعر أهل بيت النبيّ (ص) سفينة النجاة في قصيدة له في مدح الملك الأشرف موسى الأيوبّي، من أبياتها (ص481):
مُحَمَّدُ النَّبِيِّ ذِي الإحْسَانِ * وَالَّذِي أجَادَ مَدْحَهُ حَسّانُهْ
خَاطبَهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ العُلا * إذْ جَبْرَئيلُ الوَحْيِ تَرْجُمَانُهْ
سَفِينَةُ النَّجَاةِ أهْلُ بَيْتِهِ * فِي مَوْقِفٍ يَغْشَى الوَرَى طُوفَانُهْ
و في قصيدة يمدح بها الملك الظاهر مظفّر الدين الخضر بن صلاح الدين الأيوبي، ينهي الشاعر القصيدة بهذين البيتين (ص302):
بَقيتَ لِلمُلْكِ بَقاءً لَمْ نَشُكَّ أنَّهُ بِصَرفِ دَهرٍ لَمْ يُشَكْ
بِالمُصْطَفى مَدِينَةِ الْعِلْمِ وَ بَابِهَا وَ أصْحَابِ الْعَوالِي وَفَدَكْ
و في قصيدةٍ يمدح بها الملك الأفضل نور الدين عليّ بن صلاح الدين، يعتبر الشاعر عبارة «حيّ على خير العمل» من الأذان، و ذلك بقوله في الأبيات التالية (ص326):
أَغْمِدْ فِي الحَربِ السَّيْفَ فَمِنْ * لَحَظاتِكَ يُشْهَرُ سَيْفُ عَلِي
لا تَبْلُغُ عِدَّةَ مَنْ قَتَلْتَ * قَتْلى صِفِّينَ وَلَا الجَمَلِ
سَأُؤَذِّنُ فِي حُبِّيكَ جِهــ * ـاراً حَيَّ عَلى خَيْرِ العَمَلِ
يَا جَائِرُ حينَ عَلَيَّ وَلي * هَلاّ أصْبَحْتَ عَلَيَّ وَلِي
و في قصيدة أُخرى يشير الشاعر إلى فضيلة نزول سورة ((هَلْ أتَى)) في أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، ثمّ يذكر لاحقاً عبارة: «لا فتى إلّا عليّ ولا سيف إلّا ذو الفقار»، و ذلك بقوله في الأبيات التالية (ص68):
كَمْ رُمْتُ مِنْ قَلْبِي السُّلُوَّ فَلَمْ يُطِعْ * وَ أبى وَ خَالفَني وَعَنْ أمْرِي عَتا
إلّا ألِيَّةَ صَادِقٍ بِرٍّ بِمَنْ * فِيهِمْ أتى لا فِي سِواهُمْ هَلْ أتى
أهْلُ الصَّفَاءِ وَ أهْلُ كُلِّ مُرُوءَةٍ * وَ فُتُوَّةٍ، زَانُوا الصَّفَا وَالْمَرْوَتا
إنّي أقُولُ وَلا أُحَاشِي قَائِلاً * قَولاً لِعُذّالِي أصَمَّ وَأَصْمَتا:
لا سَيْفَ إلّا ذُو الفَقارِ وَ لا فَتىً * إلّا عَلِيٌّ حَبَّذَا ذَاكَ الفَتى
لَمْ أَهْوَهُمْ أبَداً بِبُغْضِي غَيْرَهُمْ * كَلّا وَ مَنْ فَرَضَ الصَّلاةَ وَ وَقَّتا
و في القصيدة اللاميّة التي أوّلها (ص340):
فِي عُنفُوانِ الصِّبا ما كُنتُ بِالغَزِلِ * فَكَيْفَ أَصْبُو وَ سِنّي سِنُّ مُكْتَهِلِ
عدّة أبيات تُشعر بـفضائل لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ، و هي التي جعل محقّق الديوان ينبّه في الهامش على تشيّع الشاعر؛ منها:
هُمُ الأُلى زَيَّنُوا الدُّنْيَا بِفَضْلِهِمْ * وَ اسْتَبْدَلُوا مِنْ قَشيبِ العَيْشِ بِالسَّمَلِ
فَمَا اسْتَمَالَتْهُمُ الدُّنْيَا بِزُخْرُفِهَا * وَ لا ازْدَهَتْهُمْ بِتَفْصِيلٍ وَلا جُمَلِ
قَالُوا امْتَدِحْ عُظَمَاءَ النَّاسِ قُلْتُ لَهُمْ * خَوْفُ الزَّنَابِيرِ يَثْنِينِي عَنِ العَسَلِ
وَ الأُسْدُ تَهْرُبُ مِن قَرْصِ الذُّبَابِ وَمَا * أَغْرى خِساسَ الوَرى بِالسّادَةِ النُّبْلِ
سَوْءَاتُهُمْ هَزَمَتْ مَجْدِي وَ لا عَجَبٌ * عَمْرٌ بِسَوْءَتِهِ فِي الحَرْبِ رَدّ عَلِي
حيث يلمح الشاعر في البيت الأخير إلى مبارزة الإمام عليّ (ع) لعمرو بن العاص في وقعة صفّين.
ثمّ يقول الشاعر في نفس القصيدة (ص348):
فَلَوْ رَآهُمُ أميرُ المُؤْمِنِينَ لَما قَالَ انْحُ ذَا النَّحْو يَا بَا الأَسْوَدِ الدُؤَلِي
و هنا يشير الشاعر إلى قول الإمام علي (ع) لأبي الأسود الدُؤلي: «انحه يا أبا الأسود»، حيث يُقال: إنّ هذا مبدأ نشوء علم النحو.
و يُنهي الشاعر القصيدة بهذا البيت (ص349):
وَ مَا بَرِحْتَ عَلَى الأَحْرارِ مُجْتَرِئاً * لِي أُسْوَةٌ فِي ذَرَاري خَاتَمِ الرُّسُلِ
و يبدأ الشاعر قصيدتين من ديوانه، بالإشارة إلى مشهد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في النجف الأشرف، فأوّلهما قصيدة كتبها إلى شرف الدين راجح الحلّي، و كان سيَّر إليه قصيدة أنشدها للملك الظاهر غازي، فأطلق له ألف درهم و لم تصله عاجلاً (ص273):
أتَحْسَبُونَ غَرْبَ أجْفَانِيَ جَفْ * بَعدَ النَّوى لا وَضَرِيحٍ بِالنَّجَفْ
أُكَفْكِفُ الدَّمْعَ بِخَدّي أسىً * فَيَمْلَأُ الكَفَّيْنِ كُلَّمَا وَكَفْ
و الثانية قصيدة «كتبها إلى أخيه الرئيس الأجلّ عماد الدين رسلان بن علي في صدر كتابٍ» (ص276):
لا وَ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ بِالنَّجَفْ * ألِيَّةً مَا مَانَ فِيهَا مَنْ حَلَفْ
و للشاعر قطعتين من الشعر في واقعة عاشوراء، أُولاهما (ص6-7):
لِمَ لا أسُحُّ بِيَوْمِ عَاشُورَاءَ * مِنْ مُقْلَتَيَّ دَماً يُمَازِجُ مَاءَ
يَوْماً بِهِ قُتِلَ الحُسَيْنُ بِكَرْبَلا * قَتْلاً حَوى كَرْباً بِهِ وَبَلاءَ
عَافَ الوُرُودَ فَمَاتَ مِنْ ظَمَأٍ بِهِ * لَمَّا أتى يَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ
وَالمَاءُ أشْكَلَ مِنْ دِمَاءِ جِراحِهِ * فَكِلاهُمَا فِي اللَّوْنِ كَانَ سواءَ
و من شعره أيضاً في عاشوراء (ص7):
الشَّوْقُ أذكَى النّارَ فِي أحْشَائِي * وَ أسْأَل مِنْ عَيْنَيَّ عَينَيْ مَاءِ
أعْشارُ قَلْبِي قُطِّعَتْ فَتَقَطَّعَتْ * بِمدَى الأعَادِي يَوْمَ عَاشُورَاءِ
ضَحِكَ الأعَادِي مِنْ تَشَتُّتِ شَمْلِنا * وَا خَجْلَتي مِنْ ضَحْكِهِمْ و بُكائِي
و قد ورد في موضع آخر من ديوان الشاغوري، ما تغزّل به بصبيٍّ اسمه أبو طالب (ص44):
أيْنَ دَهَائِي وَ الْهَوى طَالِبي * يَتَمَنّى حُبُّ أبِي طَالِبِ
قُلْتُ لَهُ وَ السُّقْمُ قَدْ طَالَ بِي * صِلْنِي بِحَقِّ أبِي طِالِبِ
و قوله في البيت الثاني: «بحقّ أبي طالب»، يوحي اعتقاده بإسلام أبي طالب عمّ رسول الله (ص) و والد أمير المؤمنين عليّ (ع).
و لا نُخفي أن للشاعر أيضاً قصيدة واحدة، يمدح بها صحابة رسول الله (ص) (ص557)، حيث تضمّ هذه القصيدة ثلاث أبيات في فضائل الخلفاء الراشدين الثلاث، تليها بيتان في مدح أمير المؤمنين علي (ع) (ص558). و لم نجد في ديوان الشاعر أبيات و قصائد أخرى في مدح الصحابة. و هذا الكمّ من الأبيات الأُخرى التي تدلّ على تشيّع الشاعر و حبّه لأهل البيت (عليهم السلام)، يجعلنا نستنتج أنّه أنشد هذه الأبيات في فضائل الخلفاء الثلاثة على سبيل التقيّة.
و أخيراً، فمن أهمّ ما يدلّ على تشيّع فتيان الشاغوري، قصيدته في مدح أهل البيت (ع)، و لأهمّية هذه القصيدة نورد هنا نصّها بالكامل كما في ديوان الشاعر (ص576-581):
قال يمدح أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين:
[1] أشَاعُوا فِي غَدٍ يَبْغِي الرَّحِيلا * فَخَدَّ الدَّمْعُ فِي خَدّي مَسِيلا
[2] فَأضْحَوْا وَالمَطِيُّ لَهُ رُغَاءٌ * وَ شُعْثُ الخَيْلِ أعْلَنَتِ الصَّهِيلا
[3] وَ قَدْ رَفَعُوا الجَمِالَ عَلى جمَالٍ * وَ بِالعُشَّاقِ مَا فَعَلُوا جَمِيلا
[4] فَكَمْ حَازَتْ هَوَادِجُهُنَّ ردفاً * ثَقِيلاً جَاذبَ الخَصْرِ النَّحِيلا
[5] وَ طرفاً فَاتِراً غنجاً كَحِيلا * وَ خَدّاً سَافِراً ضرْجاً أسِيلا
[6] وَ فِيهِمْ غُصْنُ بَانٍ تَحْتَ شَمْسٍ * مُحَيِّيَة ضُحَاهَا وَ الأصِيلا
[7] أغنُّ مُعَقْرَبُ الصُّدْغَيْنِ يَجْلُو * حُبَابَ الثّغرِ إذْ يَعْلُو الشّمُولا
[8] وَ سَارُوا يَقْطَعُونَ الأرْضَ وَخْداً * وَ قَدْ جَمَعُوا مَعَ الوَخْدِ الذَّمِيلا
[9] فَعُدْتُ وَ قُلْتُ: كَمْ هذَا التَّصَابِي * فَمَا اقْتَادَ الْهَوى إلّا جَهُولا
[10] إلى كَمْ يَسْتَفِزُّ المين شعري * سَأُصَدِّقُ فِي القَرِيضِ الآن قِيلا
[11] وَ أرْجُو عَفْوَ رَبِّي فِي مَعَادِي * عَسى أنْ يَصْفَحَ الصَّفْحَ الجَمِيلا
[12] وَ أمْدَحُ سَادَةً فِيهِمْ مَدِيحِي * يَكْونُ إلى رِضَى اللهِ السَّبِيلا
[13] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ خَيْرَ الأ * نَامِ إذا هُمُ افْتَخَرُوا قَبِيلا
[14] رَسُولُ اللهِ بِالْقُرآنِ وَافى * فَكانَ أجَلَّ مَبْعُوثٍ رَسُولا
[15] نَبِيٌّ آلُهُ هُمْ خَيْرُ آلٍ * وَ أكْرَمُهُمْ وَ أغْزَرُهُمْ عُقُولا
[16] فَمَدْحُهُمْ لَدَيَّ أرَاهُ فَضْلاً * وَ مَدْحُ النّاسِ كُلُّهُمْ فُضُولا
[17] هُمُ القَوْمُ الأُلى سَادُوا وَ جَادُوا * وَ هُمْ أزْكى بَنِي الدُّنْيَا أُصُولا
[18] هُمُ حِصْنِي الحَصِينِ وَ لَيْسَ خَلْقٌ * سِوَاهُمْ لِي، غَداً، ظِلّاً ظَلِيلا
[19] وَ هُمْ يَوْمُ المَعَادِ لَنا غِياثٌ * بِهِمْ نَرْجُوا إلَى الفَوْزِ الوُصُولا
[20] وَ هَلْ أحَدٌ بِمكرمَةٍ يُسَامِي * أبَا حَسَنٍ وَفَاطِمَةَ البَتُولا
[21] وَ هَلْ مِنْ خَمْسَةٍ يَوْماً سِوَاهُمْ * أتَمُّوا سِتّةً مَعَ جَبْرَئِيلا
[22] بِهِمْ فِي الْجَدْبِ نَسْتَسْقِي فَنُسْقى * وَ يَصْرِفُ رَبُّنَا عَنّا المُحُولا
[23] ألَمْ يَكُ الِابْتِهَالُ بِهِمْ قَدِيماً * عَلَى تَعْظِيمِ شَأنِهِمُ دَلِيلا
[24] عَلِيٌّ هَازِمُ الأحْزَابِ قِدْماً * وَ قَدْ هَاجَتْ لَهُ الهَيْجَا الذُّخُولا
[25] هُنَاكَ رَمَى الرُّؤُوسُ عَنِ الهَوَادِي * وَ أسْمَعَ سَيْفُهُ الجَمْعَ الصَّلِيلا
[26] وَ قَطَّعَ ذُو الفقارِ فقارَهُم بِالظّبَاةِ، وَ لا فُلُولَ، وَ لا كُلُولا
[27] عَلِيٌّ غَادَرَ الأبْطَالَ صَرْعى * وَ أخْرَسَ عَنْ شقاشقِهَا الفُحُولا
[28] وَ هَلْ أحَدٌ يُسَاجِلُهُ بِعِلْمٍ * أيُغْلَبُ عَلْمُ مَنْ وَرِثَ الرَّسُولا
[29] وَ كَمْ لاقَى العِدى، فَأسْألَ مِنْهُمُ * بِصَارِمِهِ دِمَاءَهم سُيُولا
[30] أَتى بِرحيبَةِ الفَرْعَيْنِ فِي مَرْ* حَبٍ قدماً فَأوتِيَ مِنْهُ سولا
[31] وَ كَمْ لاقَاهُ جَبَّارٌ عَزِيزٌ * فَصَارَ لَدَيْهِ خَوَّاراً ذَلِيلا
[32] عَلِيٌّ طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلاثاً * وَ مَا حَابى أخَاهُ بِها عَقِيلا
[33] تَوَلاّهَا وَ فَارَقَهَا حَمِيداً * وَ لَمْ يَظْلِمْ بِها أَحَدٌ فَتِيلا
[34] أَلَهْفِي لِلْحُسَيْنِ غَدَاة أضْحى * هُناك بِكَرْبَلا شلواً قَتِيلا
[35] يُمَزِّقُ جِسْمَهُ دوسُ المُذاكي * وَ قَدْ أعْلَتْ ولاياه العَوِيلا
[36] شَكَا ظَمَأً، فَمَا عَطَفُوا عَلَيْهِ * وَ لا ألْوُو وَلا أرْوُو غَلِيلا
[37] أيَا مَاءُ الفُرَاتِ نَضَبْتَ مَاءً * لأنّكَ مِنْهُ لَمْ تشف الغَلِيلا
[38] رَسُولُ اللهِ سَمَّاهُ حُسَيْناً * وَ قَبَّلَ ثغرَهُ زَمناً طَوِيلا
[39] سَيَشْقَى الظّالِمُونَ بِهِ وَيُسْقَى الـ * ـالوُلاةُ المُؤْمِنُونَ السَّلْسَبِيلا
[40] مُحِبُّوهُمْ بِبُغْضِهِمْ سِوَاهُمْ * عَدمتهُمْ، لَقَدْ سَاءُوا سَبِيلا
[41] سوَى القَوْمِ الأُلى قَتَلُوا حُسَيْناً * وَ سَبُّوا صنْوَ أحْمَدَ وَالْخَلِيلا
[42] وَ مَدْحُهُمُ أتى في هَلْ أتى مُحْـ * ـكَماً مَدْحاً كَثِيراً لا قَلِيلا
[43] وَ لَيْسَ الْعُرْوَةُ الوُثْقى سواهُمْ * فَكُنْ مُسْتَمْسِكاً، برّاً، وَصولا
[44] وَ إنّي سَوْفَ أُدْرِكُ فِي مَعَادِي * بِمَدْحِ بَنِي رَسُولِ اللهِ سولا
[45] صَلاةُ اللهِ، خَالِقِنا، عَلَيْهِمْ * غُدُوَّ الدَّهْرِ، تَتْرى، وَ الأصِيلا
و نختم المقال بالقول أنّ للشاعر أيضاً قصيدة في مدح رسول الله (ص)، مطلعها كما يلي (ص 108):
إلَيْكَ المَطَايَا أعنَقَتْ يَا مُحَمَّدُ * إلى خَيْرِ مَنْ يُسْعى إلَيْهِ وَيُحْفَدُ
ْالدكتور أحمد خَامِه يَار
مقال منشور في مجلة „كتاب شيعه“، العدد 13-14، ص 112 -120